الإعلام السعودي.. صناعة تتجاوز الحدود وتستشرف المستقبل
يشهد الإعلام السعودي مرحلة غير مسبوقة من التطوير والتحول، فهو لم يعد مجرد وسيلة لنقل المعلومة أو تغطية الحدث، بل أصبح صناعة متكاملة تسهم في بناء الهوية وتعزيز الحضور الوطني في الفضاء الإقليمي والدولي. هذا التحول يعكس الطموح الكبير الذي تحمله رؤية المملكة 2030، التي أدركت منذ بدايتها أن الإعلام ليس فقط مرآة للمجتمع، بل رافعة للتنمية، وأداة لتشكيل الوعي وصياغة المستقبل.
ما يحدث اليوم في المشهد الإعلامي السعودي هو نقلة نوعية تعيد رسم ملامح القطاع، بدءًا من المحتوى الذي بات أكثر قربًا من الواقع المحلي، ومرورًا بالبنية التحتية التي تتسابق لتواكب أعلى المعايير العالمية، وصولًا إلى البيئة التنظيمية التي أضحت أكثر مرونة وشفافية واستعدادًا لجذب المستثمرين والمبدعين من كل مكان.
ولعل أبرز ما يميز هذه المرحلة هو ازدهار صناعة المحتوى المحلي، إذ نشهد توجهًا واسعًا نحو إنتاج أعمال تعكس الثقافة السعودية، وتنطلق من عمق المجتمع لتعبر عنه بصوت معاصر. هذا التوجه لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة وعي متنامٍ بأهمية امتلاك محتوى قادر على المنافسة عالميًا، يحفظ الخصوصية الثقافية، ويخاطب الجمهور بلغته وآماله.
في المقابل، باتت السعودية وجهة جاذبة لشركات الإنتاج العالمية، بفضل ما توفره من إمكانات تقنية، واستوديوهات متطورة، وأطر تنظيمية مشجعة. كما أن انفتاح السوق الإعلامي فتح المجال أمام تنوع كبير في المنصات والمبادرات، مما ساهم في خلق مناخ من التنافس والإبداع، وإثراء التجربة الإعلامية السعودية بروافد جديدة.
كما لم تغفل المملكة عن أهمية الكفاءات الوطنية، فعملت على تأسيس أكاديميات إعلامية متخصصة، وأطلقت برامج تدريبية تهدف إلى صقل المواهب وتمكين الشباب من امتلاك أدوات العصر الإعلامي الحديث. هذا الاهتمام بالعنصر البشري يشكل حجر الزاوية لأي تطور حقيقي، ويؤكد أن الاستثمار في العقول لا يقل أهمية عن الاستثمار في الآلات والمنصات.
وعلى صعيد التقنيات، فإن الحضور السعودي في المشهد الرقمي يتنامى بقوة، مع تبني أدوات الذكاء الاصطناعي، والتوسع في الحوسبة السحابية، وتوفير بيئة رقمية قادرة على دعم الإنتاج الإعلامي بأعلى درجات الكفاءة والجودة. هذه التحولات التقنية لم تعزز فقط من سرعة الوصول، بل ساعدت في خلق محتوى أكثر تنوعًا، وأعمق تأثيرًا.
وفي قلب هذه المنظومة المتكاملة، تلعب هيئة تنظيم الإعلام دورًا محوريًا في بناء بيئة تنظيمية حديثة، تواكب تطلعات السوق وتضمن التوازن بين حرية التعبير ومتطلبات المهنية، وبين حماية المستهلك وتشجيع الابتكار. وقد استطاعت الهيئة، من خلال لوائحها وتنظيماتها، أن تخلق مساحة آمنة للمستثمرين، وأن تسهم في رفع جودة المحتوى بما يليق بصورة المملكة ومكانتها.
لا يقف الأمر عند حدود الشاشات والأثير، بل يمتد ليشمل النشر الرقمي والألعاب الإلكترونية والإعلانات، وكلها قطاعات أصبحت مهيأة للنمو، بفضل الحراك النشط والتنسيق بين الجهات المختلفة. هذا التكامل أسفر عن مشهد إعلامي نابض بالحياة، تتعدد فيه فرص التمكين، وتزدهر فيه مبادرات الابتكار.
في المجمل، نستطيع القول إن الإعلام السعودي لم يعد تابعًا، بل بات فاعلًا ومؤثرًا، يصنع الفارق ويقود التغيير. وبينما تمضي المملكة بخطى واثقة نحو تحقيق تطلعاتها الوطنية، فإن الإعلام سيكون أحد أعمدة هذه المسيرة، صوتًا يعبّر، ومنصة تُمكّن، وصناعة تثمر على كل الأصعدة
@BinOthman90