جيل الرؤية.. من التلقي إلى الإنتاج

لم يكن التغيير الذي شهده الجيل السعودي في العقد الأخير مجرد تطوّر في الأدوات، بل تحوّلاً في طريقة النظر إلى الذات. ففي زمنٍ لم يكن يُنتظر من الشاب أو الشابة سوى التلقي، والاستجابة لما يُمنح، أصبحنا أمام جيل يُبادر، يُخطط، ويصنع المسار قبل أن يُرسم له. لم يكن التحوّل مجرد استجابة لمرحلة، بل تجاوبًا مع وطن يثق بشبابه، ويمهّد لهم طريقًا لا يحده سقف.
رؤية المملكة 2030، لم تكن وثيقة استراتيجية تُعلّق على الجدران، بل كانت إعلانًا وجدانيًا تحرّك في عقل الجيل وقبله. جيل قرأ الرؤية لا بوصفها هدف الدولة فحسب، بل بوصفها فرصة شخصية لكل فرد فيه. رأينا شابًا يبني منصة رقمية تنطلق من غرفة منزله، وفتاةً تطلق مبادرة مجتمعية يتردد صداها في كل حي، ومجموعة من المبدعين يحوّلون فكرة صغيرة إلى منتج وطني تنافسي.
وما يجب التوقف عنده، أن هذه الرؤية لم تكن مشروعًا حكوميًا معزولًا، بل مشروعًا وطنيًا وحَّد الجميع خلفه. وحَّدت الرؤية الطموحات الفردية والمجتمعية في مسار واحد، فدخلت كل قطاع، وكل مجال، وكل بيت. أصبح الطبيب والفنان، والمعلم والمبرمج، ورائد الأعمال والرياضي، يعملون بروح واحدة، يُدرك كلٌ منهم أن جهده ليس فرديًا، بل جزء من لوحة وطن.
ما تغيّر ليس فقط حجم المشاركة، بل نوعها. الشاب لم يعد يبحث عن موقعه في "الوظيفة"، بل يبحث عن أثره في "المجتمع". والمجتمع بدوره لم يعد يتعامل مع الشباب كعنصر يحتاج إلى احتواء، بل كقوة دافعة تحتاج إلى تمكين. هذه العلاقة الجديدة بين الشباب والمجتمع، وبين الفرد والدولة، هي ما يصنع الفرق اليوم.
في بيئة أصبحت فيها الوزارة تسمع، والهيئة تدعم، والصندوق يمول، والإعلام يحتفي، لم يعد هناك عذر لمن يختار الانتظار. مملكتنا فتحت الباب للكل، وتركت للخطى أن تُثبت الجدارة. هذا التوازن بين الثقة والفرصة هو ما يجعل تجربة جيل الرؤية مختلفة عن سابقيها.
نحن أمام جيل لا يكتفي بأن يعيش المرحلة، بل يعيد تعريفها. جيل يرى في المحتوى المحلي مشروعًا شخصيًا، وفي ريادة الأعمال لغة يفهمها، وفي التقنية وسيلة للتمكين لا غاية للعرض. هو الجيل الذي قرر أن لا يطلب دوره، بل يصنعه.
وفي ذلك، تتحقّق غاية الرؤية: أن يكون كل فردٍ شريكًا في التحوّل، لا مجرد متلقٍ له. جيلٌ لا ينتظر المستقبل، بل يمضي نحوه بثقة، وإيمان، ووعي بمكانته ومكانة وطنه.

@BinOthman90

اضغط هنا للانتقال الى المقال المنشور في الصحيفة

Previous
Previous

الثقافة الصحية في المملكة: بين الواقع والتحديات

Next
Next

عملاق التنمية في السعودية