الثقافة الصحية في المملكة: بين الواقع والتحديات
في خضم التطور الكبير الذي تشهده المملكة في مختلف القطاعات، يبقى الوعي الصحي حجر الأساس لبناء مجتمع متكامل وقادر على مواجهة التحديات، الثقافة الصحية ليست مجرد مفردات تُطلق في الحملات الإعلامية أو شعارات تُرفع في المؤتمرات؛ بل هي أسلوب حياة ينعكس في تصرفات الأفراد وخياراتهم اليومية.
رغم الجهود المبذولة من الجهات الصحية في المملكة لتعزيز الوقاية وتحسين جودة الحياة، ما زال هناك فجوة بين التوعية والممارسة. هذه الفجوة تتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات والأفراد، لتحويل مفهوم الصحة من مسؤولية الجهات الرسمية إلى مسؤولية مجتمعية يشارك فيها الجميع.
الثقافة الصحية ليست مجرد دراية بأضرار التدخين أو فوائد الرياضة، بل هي منظومة شاملة تبدأ من تعليم الأطفال في المدارس، مروراً بتوفير بيئة داعمة للصحة، وصولاً إلى توجيه الممارسين الصحيين ليكونوا قدوة في تعزيز هذه الثقافة بطرق مسؤولة ومهنية.
ومع ذلك، يبرز تحدٍّ خطير يهدد جهود التوعية الصحية، وهو لجوء بعض الممارسين الصحيين إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر محتوى صحي أو توعوي، بطريقة تفتقر أحياناً إلى المهنية أو تخالف أخلاقيات المهن الصحية. ففي عصر السرعة وانتشار المعلومات، قد يخلط البعض بين الرغبة في زيادة الشهرة أو التفاعل على المنصات الرقمية وبين المسؤولية الأخلاقية التي تقع على عاتقهم كممارسين صحيين.
تجد أحياناً أن بعض المنشورات التي يُفترض أن تقدم التوعية الصحية تُظهر تفاصيل شخصية لمرضى أو تعرض معلومات طبية مغلوطة، مما يؤثر سلباً على ثقة المجتمع بالممارسين الصحيين، ويضعف الرسالة التوعوية التي يُراد إيصالها. هذه الممارسات، وإن كانت محدودة، تشكل خطراً على صورة القطاع الصحي وتقلل من مصداقية الجهود المبذولة لتحقيق مجتمع صحي واعٍ.
لهذا السبب، يجب تعزيز الوعي بين الممارسين الصحيين حول أهمية الالتزام بأخلاقيات المهنة، وخاصة في الفضاء الرقمي. فالمسؤولية المهنية لا تتوقف عند عيادة أو مستشفى، بل تمتد إلى كل ما يُنشر ويُقال أمام الجمهور، كما ينبغي على الجهات المعنية وضع ضوابط واضحة لتنظيم محتوى التوعية الصحية على وسائل التواصل الاجتماعي، بما يضمن الحفاظ على المهنية واحترام خصوصية المرضى.
ختاماً، إذا أردنا أن نحقق تطوراً حقيقياً في القطاع الصحي، يجب أن نغرس مفهوم الوقاية قبل العلاج، ونرسخ الثقافة الصحية كأسلوب حياة، وليس مجرد معرفة، فالصحة هي أساس القوة، وأساس المجتمع القوي الذي تطمح له المملكة. وفي الوقت ذاته، يجب أن نتأكد من أن كل رسالة توعوية تحملها منصات التواصل الاجتماعي تصل بشكل صحيح وأخلاقي، لتحقق الغاية الكبرى: مجتمع صحي ومستدام.
@BinOthman90