ثقافة احترام الأماكن العامة تبدأ من التفاصيل

في كل مجتمع يسعى نحو التقدم، تبقى التفاصيل الصغيرة مرآة تعكس مدى نضجه ووعيه، وتُشكل صورة حضارية تترسخ في ذهن الزائر قبل المقيم. ومن بين هذه التفاصيل، يبرز احترام الأنظمة في الأماكن العامة -وعلى رأسها المطارات - بوصفه اختبارًا حقيقيًا للانضباط والاحترام المتبادل.
وقد لاحظ كثير من المسافرين مشاهد متكررة لاستخدام التبغ في غير الأماكن المخصصة، وهو ما يُثير تساؤلات حول مدى وعي بعض الأفراد بحقوق الآخرين في بيئة صحية وآمنة. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المعنية في التوعية والتنظيم، تظل الشراكة المجتمعية حجر الزاوية في ترسيخ ثقافة الالتزام، وتعزيز احترام الأنظمة والقيم.
فالمسألة هنا ليست مجرد مخالفة، بل تعبير عن وعي مجتمعي ينبغي أن نحرص على بنائه منذ الصغر، بدءًا من البيت، مرورًا بالمدرسة، وانتهاء بالمؤسسات والمرافق العامة. مشهد شخص يدخن في صالة مغلقة أمام أطفال أو مرضى لا يحتاج إلى لائحة عقوبات، بقدر ما يحتاج إلى استشعار بالمسؤولية الأخلاقية.
من الجميل أن تتوفر أماكن مخصصة للتدخين في الأماكن العامة، وهو ما يعكس توازنًا بين احترام الحريات الفردية والحفاظ على الصحة العامة، إلا أن هذا التوازن لا يكتمل إلا بوعي مجتمعي لا تفرضه اللوائح وحدها، بل يتكامل فيه الدور الرقابي مع دور كل فرد من أفراد المجتمع.
إن التحديات التي تواجه الأماكن العامة ليست دائمًا في غياب الأنظمة، بل أحيانًا في غياب الالتزام الذاتي بها. فالقانون مهما كان دقيقًا، لا يمكنه أن يرافق كل فرد في كل زاوية، لكن الضمير الحي يستطيع. حين يدرك الإنسان أن احترامه للمكان هو احترامه لذاته أولًا، تصبح الممارسات الخاطئة مجرد استثناء لا يُقبل به، لا من النظام ولا من المجتمع.
ولا ننسى أن الذوق العام، الذي يُعنى بجودة التعامل والسلوك الحضاري، يُعد من ركائز الشخصية السعودية المتزنة، ومن أبرز القيم التي تعكس صورة المملكة أمام العالم. وهو ليس مجرد تنظيم، بل ثقافة يجب أن تنبع من داخلنا، لنُظهر للعالم أن احترام المكان والناس جزء لا يتجزأ من هويتنا.
أخيراً لنجعل من مطاراتنا وسائر مرافقنا العامة واجهة مشرقة تعكس رُقي السلوك قبل جمال البنيان. ولنجعل من كل لحظة، فرصة لتعزيز ثقافة المسؤولية، واحترام المكان، ومراعاة الآخر. فصورة الوطن تبدأ من هذه التفاصيل، وتنمو مع كل تصرّف ناضج يعبّر عن روح الانتماء.

@BinOthman90

اضغط هنا للانتقال الى المقال المنشور في الصحيفة

Previous
Previous

عملاق التنمية في السعودية

Next
Next

لماذا نجحت حملة (لا حج بلا تصريح)